get pregnant

الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

|

اللمعات اللمعة الثانية


اللمعة الثانيـة
بسم الله الرحمن الرحيم
 (وأيوبَ إذْ نادى ربّه أني مَسّني الضُرُُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين) (الانبياء:83)
هذه المناجاة اللطيفة التي نادى بها رائد الصابرين سيدنا أيوب عليه السلام مجرّبة، وذات مفعول مؤثر، فينبغي أن نقتبس من نور هذه الآية الكريمة ونقول في مناجاتنا: رب أني مسني الضر وانت أرحم الراحمين. 
وقصة سيدنا أيوب عليه السلام المشهورة، نلخصها بما يأتي:
أنه عليه السلام ظل صابراً ردحاً من الزمن يكابد ألم المرض العضال، حتى سرت القروح والجروح الى جسمه كله، ومع ذلك كان صابراً جلداً يرجو ثوابه العظيم من العلي القدير. وحينما أصابت الديدان الناشئة من جروحه قلبه ولسانه اللذين هما محل ذكر الله ومـوضع معرفته، تضرع الى ربه الكريم بهذه المناجاة الرقـيقة: (أني مَسّني الضُرُُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين) خشية أن يصيب عبادته خلل، ولم يتضرع اليه طلباً للراحة قط، فاستجاب الله العلي القدير لتلك المناجاة الخالصة الزكية استجابة خارقة بما هو فوق المعتاد، وكشف عنه ضرّه واحسن اليه العافية التامة واسبغ  عليه ألطاف رحمته العميمة.
في هذه اللمعة خمس نكات.
النكتة الاولى:
انه إزاء تلك الجروح الظاهرة التي أصابت سيدنا أيوب عليه السلام، توجد فينا أمراض باطنية وعلل روحية وأسقام قلبية، فنحن مصابون بكل هذا. فلو انقلبنا ظاهراً بباطن وباطناً بظاهر، لظهرنا مُثقلين بجروح وقروح بليغة، ولبدت فينا أمراضٌ وعلل اكثر بكثير مما عند سيدنا أيوب عليه السلام، ذلك لأن:
كل ما تكسبه ايدينا من إثم، وكل ما يلج الى أذهاننا من شبهة، يشق جروحاً غائرة في قلوبنا، ويفجر قروحاً دامية في أرواحنا.. ثم إن جروح سيدنا أيوب عليه السلام كانت تهدد حياته الدنيا القصيرة بخطر، أما جروحنا المعنوية نحن فهي تهدد حياتنا الاخروية المديدة بخطر.. فنحن اذن محتاجون أشد الحاجة الى تلك المناجاة الايوبية الكريمة بأضعاف أضعاف حاجته عليه السلام اليها. وبخاصة أن الديدان المتولدة من جروحه عليه السلام مثلما أصابت قلبه ولسانه،فان الوساوس والشكوك - نعوذ بالله - المتولدة عندنا من جروحنا الناشئة من الآثام والذنوب تصيب باطن القلب الذي هو مستقر الايمان فتزعزع الايمان فيه، وتمس اللسان الذي هو مترجم الايمان فتسلبه لذة الذكر ومتعته الروحية، ولاتزال تنفره من ذكر الله حتى تسكته كلياً.
نعم، الاثم يتوغل في القلب ويمد جذوره في أعماقه، وماينفك ينكت فيه نكتاً سوداء حتى يتمكن من اخراج نور الايمان منه، فيبقى مظلماً مقفراً، فيغلظ ويقسو.
نعم، ان في كل إثم وخطيئة طريقاً مؤدياً الى الكفر، فإن لم يُمحَ ذلك الاثم فوراً بالاستغفار يتحول الى دودة معنوية، بل الى حية معنوية تعض  القلب وتؤذيه. ولنوضح ذلك بما يأتي:
مثلاً: إن الذي يرتكب سراً إثماً يُخجَل منه، وعندما يستحي كثيراً من اطلاع الاخرين عليه، يثقل عليه وجود الملائكة والروحانيات، ويرغب في انكارهم بأمارة تافهة.
ومثلاً: ان الذي يقترف كبيرة تفضي الى عذاب جهنم. ان لم يتحصن تجاهها بالاستغفار، فما أن يسمع نذير جهنم وأهوالها يرغب من أعماقه في عدم وجودها، فيتولد لديه جرأة لإنكار جهنم من أمارة بسيطة أو شبهة تافهة.
ومثلاً: إن الذي لايقيم الفرائض ولايؤدي وظيفة العبودية حق الاداء وهو يتألم من توبيخ آمره البسيط لتقاعسه عن واجب بسيط، فان تكاسله عن أداء الفرائض أزاء الاوامر المكررة الصادرة من الله العظيم، يورثه ضيقاً شديداً وظلمة قاتمة في روحه، ويسوقه هذا الضيق الى الرغبة في ان يتفوه ويقول ضمناً: ليته لم يأمر بتلك العبادة! وتثير هذه الرغبة فيه الانكار، الذى يشم منه عداءً معنوياً تجاه اُلوهيته سبحانه!، فاذا ماوردت شبهةٌ تافهة الى القلب حول وجوده سبحانه، فانه يميل اليها كأنها دليل قاطع. فينفتح أمامه باب عظيم للهلاك والخسران المبين، ولكن لايدرك هذا الشقي أنه قد جعل نفسه - بهذا الانكار - هدفاً لضيق معنوي ارهب وأفظع بملايين المرات من ذلك الضيق الجزئي الذي كان يشعر به من تكاسله في العبادة، كمن يفرّ من لسع البعوض الى عض الحية!!
فليُفهم في ضوء هذه الامثلة الثلاثة سرّ الآية الكريمة: (كلاّ بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يَكسبون)(المطففين:14)
النكتة الثانية:     
مثلما وضّح في الكلمة السادسة والعشرين الخاصة بالقدر: أن الانسان ليس له حق الشكوى من البلاء والمرض بثلاثة وجوه:          
الوجه الاول:
ان الله سبحانه يجعل ما ألبسه الانسان من لباس الوجود دليلا على صنعته المبدعة، حيث خلقه على صورة نموذج موديل يفصّل عليه لباس الوجود، يبدله ويقصه ويغيره مبيناً بهذا التصرف تجليات مختلفة لاسمائه الحسنى. فمثلما يستدعي اسم الشافي المرض، فان اسم الرزاق ايضاً يقتضي الجوع. وهكذا فهو سبحانه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء.
الوجه الثاني:
أن الحياة تتصفى بالمصائب والبلايا، وتتزكى بالامراض والنوائب، وتجد بها الكمال وتتقوى وتترقى وتسمو وتثمر وتنتج وتتكامل وتبلغ هدفها المراد لها، فتؤدي مهمتها الحياتية. أما الحياة الرتيبة التي تمضى على نسق واحد وتمر على فراش الراحة،
فهي أقرب الى العدم الذي هو شر محض منه الى الوجود الذي هو خير محض. بل هي تفضي الى العدم.
الوجه الثالث:
إن دار الدنيا هذه ما هي إلاّ ميدان اختبار وابتلاء، وهي دار عمل ومحل عبادة، وليست محل تمتع وتلذذ ولامكان تسلم الاجرة ونيل الثواب.
فمادامت الدنيا دار عمل ومحل عبادة، فالامراض والمصائب عدا الدينية منها وبشرط الصبر عليها تكون ملائمة جداً مع ذلك العمل، بل منسجمة تماماً مع تلك العبادة، حيث أنها تمد العمل بقوة وتشد من أزر العبادة، فلايجوز التشكي منها، بل يجب التحلي بالشكر لله بها، حيث أن تلك الامراض والنوائب تحوّل كل ساعة من حياة المصاب عبادة ليوم كامل.
نعم، ان العبادة قسمان:
قسم ايجابى وقسم سلبى..
فالقسم الاول معلوم لدى الجميع، أما القسم الاخر فان البلايا والضر والامراض تجعل صاحبها يشعر بعجزه وضعفه، فيلتجئ الى ربه الرحيم، ويتوجه اليه ويلوذ به، فيؤدي بهذا عبادة خالصة. هذه العبادة خالصة زكية لايدخل فيها الرياء قط. فإذا ماتجمّل المصاب بالصبر وفكّر في ثواب ضره عند الله وجميل أجره عنده، وشكر ربه عليها، تحولت عندئذ كل ساعة من ساعات عمره كأنها يوم من العبادة، فيغدو عمره القصير جداً مديداً طويلاً، بل تتحول - عند بعضهم - كل دقيقة من دقائق عمره بمثابة يوم من العبادة.. ولقد كنت أقلق كثيراً على ماأصاب أحد اخوتي في الاخرة وهو الحافظ احمد المهاجر[1] بمرض خطير، فخطر الى القلب ما ياتي:
بشّره، هنّئه، فان كل دقيقة من دقائق عمره تمضي كأنها يوم من العبادة حقاً انه كان يشكر ربه الرحيم من ثنايا الصبر الجميل.
النكتة الثالثـة:
مثلما بينّا في الكلمات السابقة أنه: اذا ما فكر كل انسان فيما مضى من حياته فسيرد الى قلبه ولسانه: واأسفاه، أو الحمد لله، أي إما أنه يتأسف ويتحسر ، أو يحمد ربه ويشكره. فالذي يقطّر الاسف والاسى انما يكون بسبب الآلام المعنوية الناشئة من زوال اللذائذ السابقة وفراقها، ذلك لأن زوال اللذة ألم، بل قد تورث لذةٌ زائلة طارئة آلاماً دائمة مستمرة، فالتفكر فيها يعصر ذلك الالم ويقطّر منه الاسف والاسى، بينما اللذة المعنوية والدائمة الناشئة من زوال الآلام المؤقتة التي قضاها المرء في حياته الفائتة، تجعل لسانه ذاكراً بالحمد والثناء لله تعالى.. هذه حالة فطرية يشعر بها كل انسان، فاذا ما فكر المصاب - علاوة على هذا - بما أدّخر له ربه الكريم من ثواب جميل وجزاء حسن في الآخرة وتأمل في تحول عمره القصير بالمصائب الى عمر مديد فانه لايصبر على ما انتابه من ضُر وحده، بل يرقى ايضاً الى مرتبة الشكر لله والرضا بقَدَره، فينطلق لسانه حامداً ربه وقائلاً: الحمد لله على كل حال سوى الكفر والضلال.
ولقد سار مثلا عند الناس: ما اطول زمن النوائب!. نعم، هو كذلك ولكن ليس بالمعنى الذي في عرف الناس وظنهم من أنه طويل بما فيه من ضيق وألم، بل هو طويل مديد كالعمر الطويل بمايثمر من نتائج حياتية عظيمة.
النكتة الرابعــة:
لقد بينّا في المقام الاول للكلمة الحادية والعشرين:
ان الانسان إن لم يشتت ما وهبه الباري سبحانه من قوة الصبر، ولم يبعثرها في شعاب الاوهام والمخاوف، فان تلك القوة يمكن ان تكون كافية للثبات حيال كل مصيبة وبلاء، ولكن هيمنة الوهم وسيطرة الغفلة عليه والاغترار بالحياة الفانية كأنها دائمة.. يؤدي الى الفتّ من قوة صبره وتفريقها الى آلام الماضي ومخاوف المستقبل، فلا يكفيه ماأودعه الله من الصبر على تحمل البلاء النازل به والثبات دونه، فيبدأ ببث الشكوى حتى كأنه يشكو الله للناس، مبدياً من قلة الصبر ونفاده مايشبه الجنون فضلاً عن أنه لايحق له أن يجزع جزعه هذا ابداً؛ ذلك لان كل يوم من أيام الماضي -
ان كان قد مضى بالبلاء - فقد ذهب عسره ومشقته وترك راحته، وقد زال تعبه وألمه وترك لذته، وقد ذهب ضنكه وضيقه وثبت أجره، فلايجوز اذن الشكوى منه، بل ينبغي الشكر لله تعالى عليه بشوق ولهفة. ولايجوز كذلك الامتعاض من المصيبة والسخط عليها بل ينبغي ربط أواصر الحب بها، لأن عمر الانسان الفاني الذي قد مضى يتحول عمراً سعيداً باقياً مديداً بما يعاني فيه من البلاء، فمن البلاهة والجنون أن يبدد الانسان قسماً من صبره ويهدره بالاوهام والتفكر في البلايا التي مضت والآلام التي ولّت. أما الايام المقبلة، فحيث أنها لم تأت بعد ومجهولة مبهمة، فمن الحماقة التفكر فيها من الآن والجزع عمّا يمكن أن يصيب الانسان فيها من مرض وبلاء. فكما أنه حماقة أن يأكل الانسان اليوم كثيراً من الخبز ويشرب كثيراً من الماء لما يمكن أن يصيبه من الجوع والعطش في الغد أو بعد غد، كذلك التألم والتضجر من الآن لما يمكن أن يبتلى به في المستقبل من امراض ومصائب هي الآن في حكم العدم، واظهار الجزع نحوها دون أن يكون هناك مبرر واضطرار، هو بلاهة وحماقة الى حد تسلب العطف على صاحبها والاشفاق عليه. فوق أنه قد ظلم نفسه بنفسه.
الخلاصـة:
ان الشكر مثلما يزيد النعمة، فالشكوى تزيد المصيبة وتسلب الترحم والاشفاق على صاحبها.
لقد ابتلى رجل صالح من مدينة أرضروم بمرض خطير وبيل، وذلك في السنة الاولى من الحرب العالمية الاولى، فذهبت الى عيادته وبثّ لي شكواه:
-- لم أذق طعم النوم منذ مائة يوم... تألمت لشكواه الاليمة هذه، ولكن تذكرت حينها مباشرة وقلت:
- أخي! ان الايام المائة الماضية لكونها قد ولّت ومضت فهي الآن بمثابة مائة يوم مسرّة مفرحة لك، فلا تفكر فيها ولا تشكُ منها، بل انظر اليها من زاوية زوالها وذهابها، واشكر ربك عليها. أما الايام المقبلة فلأنها لم تأت بعد، فتوكل على رحمة ربك الرحمن الرحيم واطمئن اليها. فلا تبك قبل أن تضرب، ولاتخف من غير شئ، ولاتمنح العدم صبغةَ الوجود. اصرف تفكيرك في هذه الساعة بالذات، فان ماتملكه
من قوة الصبر تكفي للثبات لهذه الساعة. ولاتكن مثل ذلك القائد الاحمق الذي شتت قوته في المركز يميناً وشمالاً في الوقت الذي التحقت ميسرة العدو الى صفوف ميمنة جيشه فأمدتها، وفي الوقت الذي لم تكُ ميمنة العدو متهيأة للحرب بعد.. فما أن علم العدو منه هذا حتى سدد قوة ضئيلة في المركز وقضى على جيشه.
فيا أخي! لاتكن كهذا، بل حشّد كل قواك لهذه الساعة فقط، وترقَّب رحمة الله الواسعة، وتأمل في ثواب الاخرة، وتدبّر في تحويل المرض لعمرك الفاني القصير الى عمر مديد باق، فقدّم الشكر الوافر المسر الى العلي القدير بدلا من هذه الشكوى المريرة.
انشرح ذلك الشخص المبارك من هذا الكلام وانبسطت أساريره حتى شرع بالقول: الحمد لله. لقد تضاءل ألمي كثيراً.
النكتة الخامسـة:
وهي ثلاث مسائل:
المسألة الاولى:
إن المصيبة التي تعدّ مصيبة حقاً والتي هي مضرة فعلاً، هي التي تصيب الدين. فلابد من الالتجاء الى الله سبحانه والانطراح بين يديه والتضرع اليه دون انقطاع. أما المصائب التي لاتمس الدين فهي في حقيقة الامر ليست بمصائب، لأن قسماً منها:
تنبيه رحماني! يبعثه الله سبحانه الى عبده ليوقظه من غفلته، بمثل تنبيه الراعي لشياهه عندما تتجاوز مرعاها، فيرميها بحجر، والشياه بدورها تشعر أن راعيها ينبهها بذلك الحجر ويحذرها من أمر خطير مضر، فتعود الى مرعاها برضى واطمئنان. وهكذا النوائب الظاهرة فان الكثير منها تنبيه الهي، وايقاظ رحماني للانسان.
أما القسم الآخر من المصائب فهو كفارة للذنوب.
وقسم آخر أيضاً من المصائب هو منحة إلهية لتطمين القلب وافراغ السكينة فيه، وذلك بدفع الغفلة التي تصيب الانسان، واشعاره بعجزه وفقره الكامنين في جبلته.
أما المصيبة التي تنتاب الانسان عند المرض - فكما ذكرنا آنفا - فهي ليست
بمصيبة حقيقية، بل هي لطف رباني لانه تطهير للانسان من الذنوب وغسل له من أدران الخطايا، كما ورد في الحديث الصحيح:
(مامن مسلم يصيبه أذى الاّ حاتّ الله عنه خطاياه كما يحاتّ ورق الشجر )[1]
وهكذا فان سيدنا ايوب عليه السلام لم يدعُ في مناجاته لاجل نفسه وتطميناً لراحته، وانما طلب كشف الضر من ربه عندما أصبح المرض مانعاً لذكر الله لسانا، وحائلاً للتفكر في ملكوت الله قلباً، فطلب الشفاء لأجل القيام بوظائف العبودية خالصة كاملة. فيجب علينا نحن ايضاً أن نقصد - بتلك المناجاة - أول ما نقصد: شفاء جروحنا المعنوية وشروخنا الروحية القادمة من ارتكاب الآثام واقتراف الذنوب ولنا الالتجاء الى الله القدير عندما تحول الامراضُ المادية دون قيامنا بالعبادة كاملة، فنتضرع اليه عندئذ بكل ذل وخضوع ونستغيثه دون أن يبدر منا أي اعتراض أو شكوى، اذ مادمنا راضين كل الرضا بربوبيته الشاملة فعلينا الرضا والتسليم المطلق بما يمنحه سبحانه لنا بربوبيته.. أما الشكوى التي تومئ الى الاعتراض على قضائه وقدره، واظهار التأفف والتحسر، فهي أشبه ما يكون بنقد للقدر الإلهي العادل واتهام لرحمته الواسعة.. فمن ينقد القدر يصرعه ومن يتهم الرحمة يُحرم منها. اذ كما ان استعمال اليد المكسورة للثأر يزيدها كسراً، فان مقابلة المبتلي مصيبته بالشكوى والتضجر والاعتراض والقلق تضاعف البلاء. 
المسألة الثانيـة:
كلما استعظمت المصائب المادية عظُمت، وكلما استصغرتَها صغرت. فمثلاً: كلما اهتم الانسان بما يتراءى له من وهم ليلاً يُضخم  ذلك في نظره، بينما اذا أهمله يتلاشى. وكلما تعرض الانسان لوكر الزنابير ازداد هجومها واذا أهملها تفرقت.
فالمصائب المادية كذلك كلما تعاظمها الانسان واهتم بها وقلق عليها تسربت من الجسد نافذة في القلب ومستقرة فيه، وعندها تتنامى مصيبة معنوية في القلب وتكون ركيزة للمادية منها فتستمر الاخيرة وتطول. ولكن متى ماأزال الانسان القلق والوهم
من جذوره بالرضا بقضاء الله، وبالتوكل على رحمته تضمحل المصيبة المادية تدريجياً وتذهب، كالشجرة التي تموت وتجف أوراقها بانقطاع جذورها.
ولقد عبّرتُ عن هذه الحقيقة يوماً بما يأتي:[1]
ومن الشكوى بلاءٌ.
أنت  يامسكينُ دعها وتوكلْ.
أنت ان تسلمْ الى الوهاب نجواك وجدتْ.
فاذا الكلُّ عطاء.
واذا الكلُّ صفاء.
فبغير الله: دنياك متاهات وخوف!
أفيشكو مَن على كاهله يحمل كلّ الراسيات
حبةَ الرمل الضئيلة؟
انما الشكوى بلاءٌ في بلاء.
وأثام في أثام وعناء!
أنت ان تَبْسَم وفي وجه البلاء.
عادت الأرزاء تذوي وتذوب.
تحت شمس الحق حباتِ بَرَد!
فاذا دنياك بَسمة،
بسمةٌ من ثغرها ينسابُ ينبوعُ اليقين.
بسمةٌ نشوى باشراق اليقين.
بسمةٌ حيرى باسرار اليقين.
نعم..! ان الانسان مثلما يخفف حدًّة خصمه باستقباله بالبشر والابتسامة، فتتضاءل سَورة العداوة وتنطفئ نار الخصومة، بل قد تنقلب صداقةً ومصالحة، كذلك الامر في استقبال البلاء بالتوكل على القدير يذهبُ أثره.
المسـألة الثالثـة:
أن لكل زمان حُكمه، وقد غيّر البلاء شكله في زمن الغفلة هذا، فلايكون البلاء بلاء عند البعض دوماً، بل إحساناً إلهياً ولطفاً منه سبحانه. وأرى المبتلين بالضر في هذا الوقت محظوظين سعداء بشرط ألا يمس دينهم، فلا يولد المرض والبلاء عندي مايجعلهما مضرين في نظري حتى أعاديهما، ولا يورثانني الاشفاق والتألم على صاحبهما، ذلك ماأتاني شاب مريض الاّ وأراه أكثر ارتباطاً من أمثاله بالدين، وأكثر تعلقاً منهم بالآخرة.. فأفهم من هذا أن المرض بحق هؤلاء ليس بلاء، بل هو نعمة من نعمه سبحانه التي لاتعد ولاتحصى، حيث أن ذلك المرض يمد صاحبه بمنافع غزيرة من حيث حياته الاُخروية ويكون له ضرباً من العبادة، مع أنه يمس حياته الدنيا الفانية الزائلة بشئ من المشقة.
نعم قد لايستطيع هذا الشاب أن يحافظ على ما كان عليه في مرضه من الالتزام بالاوامر الإلهية فيما اذا وجد العافية، بل قد ينجرف الى السفاهة بطيش الشباب ونزواته وبالسفاهة المستشرية في هذا الزمان.

خـاتمـة
ان الله سبحانه قد أدرج في الانسان عجزاً لاحد له، وفقراً لانهاية له، اظهاراً لقدرته المطلقة وابرازاً لرحمته الواسعة. وقد خلقه على صورة معينة بحيث يتألم بما لايحصى من الجهات، كما أنه يتلذذ بما لايعد من الجهات، اظهاراً للنقوش الكثيرة لاسمائه الحسنى. فابدعه سبحانه على صورة ماكنة عجيبة تحوي مئات الالات والدواليب، لكل منها آلامها ولذائذها ومهمتها وثوابها وجزاؤها، فكأن الاسماء الإلهية المتجلىة في العالم الذي هو انسان كبير تتجلى اكثرها ايضاً  في هذا الانسان الذي هو عالم أصغر، وكما أن ما فيه من أمور نافعة - كالصحة والعافية واللذائذ وغيرها - تدفعه الى الشكر وتسوق تلك الماكنة الى القيام بوظائفها من عدة جهات، حتى يغدو الانسان كأنه ماكنة شكر. كذلك الامر في المصائب والامراض والالام
وسائر المؤثرات المهيجة والمحركة، تسوق الدواليب الاخرى لتلك الماكنة الى العمل والحركة وتثيرها من مكمنها فتفجّر كنوز العجز والضعف والفقر المندرجة في الماهية الانسانية. فلا تمنح المصائبُ الانسانَ الالتجاء الى البارئ بلسان واحد، بل تجعله يلتجئ اليه ويستغيثه بلسان كل عضو من أعضائه. وكأن الانسان بتلك المؤثرات والعلل والعقبات والعوارض يغدو قلماً يتضمن آلاف الاقلام، فيكتب مقّدرات حياته في صحيفة حياته أو في اللوح المثالي، وينسج لوحة رائعة للاسماء الإلهية الحسنى، ويصبح بمثابة قصيدة عصماء ولوحة اعلان.. فيؤدي وظيفة فطرته.


Ar1web Hm

هذا النص الغبي ، غير مقصود لقرائته . وفقا لذلك فمن الصعب معرفة متى وأين نهايته ، لكن حتى ذلك . فإن هذا النص الغبي ، ليس مقصود لقرائته . نقطة رجوع لسطر مدونة عرب ويب ترحب بك

المدونة: عرب ويب