get pregnant

السبت، 17 أغسطس 2019

شاهد المقال

القوانين اليمنية,القانون اليمني

القوانين اليمنية
الجمهورية اليمنية
تحميل بصيغة ملف صغير
من خلال القناة الخاصة بنا على التلجرام
@qanonyemen

القوانين اليمنية
https://t.me/qanonyemen

شاهد المقال

في صفات اهل التصوف

في صفات اهل التصوف :
تنازعت عقول العقلاء اسرار نكت المعارف لما انتزعت اهل الدنيا في الدنيا 
وركبو متون خيول السباق فمن بين وجل أو خَجِل او مشتاق واقبلوا فارغين من كل ما يشتغل به العوام لما علمو من دقائق علل الاعمال عند مضاعفة لطيف الانتقاد لدى العرض.
وأسقطوا الدعاوي التي اتخذها جهال الطريق تيجانا لما علمو من نعم الله التي كانت هي الامهات لنتائج علمهم وعملهم .
وتحققوا ما يغنيهم ببصائر الحكمة فتركوا ما وراه وذلك للزوم الهمم على مشاهدة نور الوقت المحجوب جوهره بالليل والنهار والأسماع والإبصار فصارو باهتين بهت من لا يسمع ولا يبصر.
فلما طال مكثهم على ذلك البساط أذن لهم بالانبساط فنطقوا فأصابوا وسئلوا فأجابوا.
فافتقر اليهم مَن دونهم افتقار الأرض الى السماء والنبات الى الماء لما استنشقوا منهم نفحات روائح محبوبهم وعجائب غرائب مطلوبهم فجعلوهم كعبة لقلوبهم وفرجة لكروبهم وطعاما لجوعهم وشرابا لعطشهم .
كانت داعيتهم الى ذلك نسبة قديمة لتخلقهم بالجرثومة الكريمه صلوات الله عليها .
وكل من سلك الطريق بغير دليل قد سلكها وعرف قواطعها وشبكها لم يعلم في اي قاطع يقطع ولا في اي شبكة يقع .
والقول بلاعمل عمل حجة على القائل .
والقول والعمل مجحة للقائل والسائل .
ومن سمع و وعى كان شريكا في الاجر لمن امر ودعا 
والفقير عالم أو متعلم أو خادم والرابع مدع لا يسمع ولا يعي ولا يجيب إذا دعي 
يظن قطع المفازة بالمشعل والعكازة والمدرعة والفازة 
وهيهات لا يصلح على الرخمة جناح العقاب ولا على النسر جناح الغراب 
قال الله عز وجل : {وإذا رايتهم تعجبك اجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة}
قال أبو يزيد رضي الله عنه: <<اقمت حداد نفسي عشرين سنة ثم لبست المدرعة وتواقحت>>
وذلك أنه كان يعرض قلبه في سوق شراء قلوب المحبين في كل يوم من ايام هذه المدة فكلما رد عليه افتقد ما سبب ذلك الرد فيداويه حتى داوى منه جميع العيوب فحينئذ رغب في شرائه المحبوب 
فتفكروا في ذلك فهو من اعجب العلم وألطف المعارف ولذلك قال الشاعر:
أما الخيام فإنها كخيامهم _ وأرى نساء الحي غير نسائها
ومن علم أن راسه قد جاوز الرؤس فهو من حيث لا يعلم منكوس و مرؤوس لقوله تعالى :{وفوق كل ذي علم عليم }.
فدل على ان كل علم يحتاج الى من فوقه بدا أو خفي.
فينبغي أن يكون مفتقراً إليه وإن لم يعرفه كافتقار الأوتاد الى القطب وافتقار الأبدال الى الأوتاد وافتقار الصالحين الى الأبدال وافتقار الجهال الى الصالحين .
فينبغي لكل سالك أن يأتم بهؤلاء ويحسن الظن بهم ويتشفع الى الله بحبهم ويتمسك بسببهم ويتنسب بنسبهم وان لم يعرفهم فان الله إذا عرف بذلك منه أخبرهم عنه فكان على خواطرهم وإن غاب ومن جملتهم بين يدي رب الأرباب وذلك قوله عليه الصلاة والسلام (من احب قوما فهو منهم )
فاوصيكم ايها الاخوان بالافتقار والاعتراف تشربوا من الحوض الصاف.
وأحذركم من الدعاوي والاعتساف فانها يؤديان الى التلاف 
وأقيموا قلوبكم واستقيموا و واظبوا على ذلك ودوموا فانها مواضع نظر الله منكم من صوركم والباقي منكم خشب لا ينظر الله اليه.
وراقبوا من لايغفل عنكم وارتقبوا وافد الموت فانه لا ياتيكم الا بغته.
ولا تضيعوا اوقاتكم بالمخاصمة والملازمة والمحاكمة وليكن كل واحد منكم خصما لنفسه في السر والعلانيه ملازما لها على الكتاب والسنه محاكما لها الى العقل الذي به السعادة والمنة.
فإنها خداعة كالثعلب طماعة كالذئب حقود كالنمر وثابة كالأسد لاسعة كالعقرب .
تصرخ كالطفل وتمرح كالغلام وتغازل كالمرأة وتتلون كالغول وأيم الله لاتحصى عيوبها ولا تنقطع ذنوبها .
فاحذروها فانها لاتؤمن حتى تدرج في الكفن 
واعلمو أن الله (معكم أينما كنتم ) فاحسنوا صحبته في الدنيا باتباع مراضيه واجتناب معاصيه ولا تنظروا الى ما وراء ذلك ابدا.
وإن من علامة الانتباه لرجال معدومة الأشباه أنهم لايذكرهم بالله ذاكر إذ هو أبدا في سرائرهم حاضر وهم الذين قال فيهم مكرمهم ومصطفيهم( ليس شيئ يعني ويسعني قلب عبدي المؤمن ).
فاسرجوا لهذا الميدان خيولكم وأسرعوا قبل ان تفارق نفوسكم عقولكم {وسارعوالى مغفرة مم ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين }(الى تمام الايات الثلاث ) تمت الصافات 
من كتاب الفتوح الفائق لسيدي العارف بالله:
#الشيخ:أحمدبن.علوان.قدس.الله.سره
اضغط للدخول للصفحه

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

شاهد المقال

حدا حادي السرى باسم الحبائـب *** فهز السكـر أعطـاف الركائـب

حدا حادي السرى باسم الحبائـب *** فهز السكـر أعطـاف الركائـب 

ألم ترهـا وقـد مـدت خطاهـا *** وسالت مـن مدامعهـا سحائـب

ومالت للحمـى طربـا وحنـت *** إلـى تلـك المعالـم والمراتب 

فدع جـذب الزمـام ولا تسقهـا *** فقائـد شوقهـا للحـي جـاذب 

فهـم طربـا كمـا هامـت وإلا *** فإنك في طريـق الحـب كـاذب

أما هـذا العقيـق بـدا وهـذي *** قباب الحي لاحـت والمضـارب 

وتلك القبـة الخضـراء وفيهـا *** نبـي نـوره يجلـو الغيـاهـب



وقد صح الرضا ودنـا التلاقـي *** وقد جاء الهنا مـن كـل جانـب

فقـل للنفـس دونـك والتملـي *** فما دون الحبيب اليـوم حاجـب 

تملـى بالحبيـب بكـل قـصـد *** فقد حصل الهنا والضـد غائـب 

نبـي الله خيـر الخلـق جمعـا *** له أعلى المناصـب والمراتـب

له الجـاه الرفيـع لـه المعالـي *** له الشـرف المؤبـد والمناقـب

فلـو أنـا سعينـا كـل يــوم *** على الأحداق لا فـوق النجائـب 

ولـو أنـا عملنـا كـل وقــت *** لأحمد مولدا قـد كـان واجـب 

عليه مـن المهيمـن كـل حيـن *** صلاة مـا بـدا نـور الكواكـب

تعـم الآل والأصحـاب طــرا *** جميعهـم وعترتـه الأطـايـب

الخميس، 3 سبتمبر 2015

شاهد المقال

من كلام الشيخ الشعراوي

ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻟﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﻭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :
ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻹﻧﺼﺎﻑ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﺭﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺑﺎﻷﻏﻨﻴﺎﺀ، ﻓﻘﺎﺭﻥ ﺩﻳﻨﻚ ﺑﺪﻳﻦ ﺍﻷﺗﻘﻴﺎﺀ، ﻓﻔﻲ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺨﺴﺮ ﺭﺍﺣﺔ ﺑﺎﻟﻚ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻜﺴﺐ ﺩﻳﻨﻚ ﻭﺩﻧﻴﺎﻙ .
ﺑﻌﺪ ﺭﺣﻴﻠﻚ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻴﻔﺘﻘﺪﻙ ﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻋﺎﻩ ﺑﺼﺪﻗﺔ ﻭﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻮﻗﻈﻪ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﻭﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻮﺍﺳﻴﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻭﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﺼﺤﻪ ﺳﺮﺍً ﻭﻣﻦ ﻛﻨﺖ ﺗﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻮﺟﻪ ﺑﺸﻮﺵ،ﺍﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻌﺎﺑﺮ ﺳﺒﻴﻞ ﻓﻜﻦ ﺫﺍ ﺍﺛﺮ ﺟﻤﻴﻞ.

الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

شاهد المقال

اللمعات اللمعة الثانية


اللمعة الثانيـة
بسم الله الرحمن الرحيم
 (وأيوبَ إذْ نادى ربّه أني مَسّني الضُرُُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين) (الانبياء:83)
هذه المناجاة اللطيفة التي نادى بها رائد الصابرين سيدنا أيوب عليه السلام مجرّبة، وذات مفعول مؤثر، فينبغي أن نقتبس من نور هذه الآية الكريمة ونقول في مناجاتنا: رب أني مسني الضر وانت أرحم الراحمين. 
وقصة سيدنا أيوب عليه السلام المشهورة، نلخصها بما يأتي:
أنه عليه السلام ظل صابراً ردحاً من الزمن يكابد ألم المرض العضال، حتى سرت القروح والجروح الى جسمه كله، ومع ذلك كان صابراً جلداً يرجو ثوابه العظيم من العلي القدير. وحينما أصابت الديدان الناشئة من جروحه قلبه ولسانه اللذين هما محل ذكر الله ومـوضع معرفته، تضرع الى ربه الكريم بهذه المناجاة الرقـيقة: (أني مَسّني الضُرُُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين) خشية أن يصيب عبادته خلل، ولم يتضرع اليه طلباً للراحة قط، فاستجاب الله العلي القدير لتلك المناجاة الخالصة الزكية استجابة خارقة بما هو فوق المعتاد، وكشف عنه ضرّه واحسن اليه العافية التامة واسبغ  عليه ألطاف رحمته العميمة.
في هذه اللمعة خمس نكات.
النكتة الاولى:
انه إزاء تلك الجروح الظاهرة التي أصابت سيدنا أيوب عليه السلام، توجد فينا أمراض باطنية وعلل روحية وأسقام قلبية، فنحن مصابون بكل هذا. فلو انقلبنا ظاهراً بباطن وباطناً بظاهر، لظهرنا مُثقلين بجروح وقروح بليغة، ولبدت فينا أمراضٌ وعلل اكثر بكثير مما عند سيدنا أيوب عليه السلام، ذلك لأن:
كل ما تكسبه ايدينا من إثم، وكل ما يلج الى أذهاننا من شبهة، يشق جروحاً غائرة في قلوبنا، ويفجر قروحاً دامية في أرواحنا.. ثم إن جروح سيدنا أيوب عليه السلام كانت تهدد حياته الدنيا القصيرة بخطر، أما جروحنا المعنوية نحن فهي تهدد حياتنا الاخروية المديدة بخطر.. فنحن اذن محتاجون أشد الحاجة الى تلك المناجاة الايوبية الكريمة بأضعاف أضعاف حاجته عليه السلام اليها. وبخاصة أن الديدان المتولدة من جروحه عليه السلام مثلما أصابت قلبه ولسانه،فان الوساوس والشكوك - نعوذ بالله - المتولدة عندنا من جروحنا الناشئة من الآثام والذنوب تصيب باطن القلب الذي هو مستقر الايمان فتزعزع الايمان فيه، وتمس اللسان الذي هو مترجم الايمان فتسلبه لذة الذكر ومتعته الروحية، ولاتزال تنفره من ذكر الله حتى تسكته كلياً.
نعم، الاثم يتوغل في القلب ويمد جذوره في أعماقه، وماينفك ينكت فيه نكتاً سوداء حتى يتمكن من اخراج نور الايمان منه، فيبقى مظلماً مقفراً، فيغلظ ويقسو.
نعم، ان في كل إثم وخطيئة طريقاً مؤدياً الى الكفر، فإن لم يُمحَ ذلك الاثم فوراً بالاستغفار يتحول الى دودة معنوية، بل الى حية معنوية تعض  القلب وتؤذيه. ولنوضح ذلك بما يأتي:
مثلاً: إن الذي يرتكب سراً إثماً يُخجَل منه، وعندما يستحي كثيراً من اطلاع الاخرين عليه، يثقل عليه وجود الملائكة والروحانيات، ويرغب في انكارهم بأمارة تافهة.
ومثلاً: ان الذي يقترف كبيرة تفضي الى عذاب جهنم. ان لم يتحصن تجاهها بالاستغفار، فما أن يسمع نذير جهنم وأهوالها يرغب من أعماقه في عدم وجودها، فيتولد لديه جرأة لإنكار جهنم من أمارة بسيطة أو شبهة تافهة.
ومثلاً: إن الذي لايقيم الفرائض ولايؤدي وظيفة العبودية حق الاداء وهو يتألم من توبيخ آمره البسيط لتقاعسه عن واجب بسيط، فان تكاسله عن أداء الفرائض أزاء الاوامر المكررة الصادرة من الله العظيم، يورثه ضيقاً شديداً وظلمة قاتمة في روحه، ويسوقه هذا الضيق الى الرغبة في ان يتفوه ويقول ضمناً: ليته لم يأمر بتلك العبادة! وتثير هذه الرغبة فيه الانكار، الذى يشم منه عداءً معنوياً تجاه اُلوهيته سبحانه!، فاذا ماوردت شبهةٌ تافهة الى القلب حول وجوده سبحانه، فانه يميل اليها كأنها دليل قاطع. فينفتح أمامه باب عظيم للهلاك والخسران المبين، ولكن لايدرك هذا الشقي أنه قد جعل نفسه - بهذا الانكار - هدفاً لضيق معنوي ارهب وأفظع بملايين المرات من ذلك الضيق الجزئي الذي كان يشعر به من تكاسله في العبادة، كمن يفرّ من لسع البعوض الى عض الحية!!
فليُفهم في ضوء هذه الامثلة الثلاثة سرّ الآية الكريمة: (كلاّ بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يَكسبون)(المطففين:14)
النكتة الثانية:     
مثلما وضّح في الكلمة السادسة والعشرين الخاصة بالقدر: أن الانسان ليس له حق الشكوى من البلاء والمرض بثلاثة وجوه:          
الوجه الاول:
ان الله سبحانه يجعل ما ألبسه الانسان من لباس الوجود دليلا على صنعته المبدعة، حيث خلقه على صورة نموذج موديل يفصّل عليه لباس الوجود، يبدله ويقصه ويغيره مبيناً بهذا التصرف تجليات مختلفة لاسمائه الحسنى. فمثلما يستدعي اسم الشافي المرض، فان اسم الرزاق ايضاً يقتضي الجوع. وهكذا فهو سبحانه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء.
الوجه الثاني:
أن الحياة تتصفى بالمصائب والبلايا، وتتزكى بالامراض والنوائب، وتجد بها الكمال وتتقوى وتترقى وتسمو وتثمر وتنتج وتتكامل وتبلغ هدفها المراد لها، فتؤدي مهمتها الحياتية. أما الحياة الرتيبة التي تمضى على نسق واحد وتمر على فراش الراحة،
فهي أقرب الى العدم الذي هو شر محض منه الى الوجود الذي هو خير محض. بل هي تفضي الى العدم.
الوجه الثالث:
إن دار الدنيا هذه ما هي إلاّ ميدان اختبار وابتلاء، وهي دار عمل ومحل عبادة، وليست محل تمتع وتلذذ ولامكان تسلم الاجرة ونيل الثواب.
فمادامت الدنيا دار عمل ومحل عبادة، فالامراض والمصائب عدا الدينية منها وبشرط الصبر عليها تكون ملائمة جداً مع ذلك العمل، بل منسجمة تماماً مع تلك العبادة، حيث أنها تمد العمل بقوة وتشد من أزر العبادة، فلايجوز التشكي منها، بل يجب التحلي بالشكر لله بها، حيث أن تلك الامراض والنوائب تحوّل كل ساعة من حياة المصاب عبادة ليوم كامل.
نعم، ان العبادة قسمان:
قسم ايجابى وقسم سلبى..
فالقسم الاول معلوم لدى الجميع، أما القسم الاخر فان البلايا والضر والامراض تجعل صاحبها يشعر بعجزه وضعفه، فيلتجئ الى ربه الرحيم، ويتوجه اليه ويلوذ به، فيؤدي بهذا عبادة خالصة. هذه العبادة خالصة زكية لايدخل فيها الرياء قط. فإذا ماتجمّل المصاب بالصبر وفكّر في ثواب ضره عند الله وجميل أجره عنده، وشكر ربه عليها، تحولت عندئذ كل ساعة من ساعات عمره كأنها يوم من العبادة، فيغدو عمره القصير جداً مديداً طويلاً، بل تتحول - عند بعضهم - كل دقيقة من دقائق عمره بمثابة يوم من العبادة.. ولقد كنت أقلق كثيراً على ماأصاب أحد اخوتي في الاخرة وهو الحافظ احمد المهاجر[1] بمرض خطير، فخطر الى القلب ما ياتي:
بشّره، هنّئه، فان كل دقيقة من دقائق عمره تمضي كأنها يوم من العبادة حقاً انه كان يشكر ربه الرحيم من ثنايا الصبر الجميل.
النكتة الثالثـة:
مثلما بينّا في الكلمات السابقة أنه: اذا ما فكر كل انسان فيما مضى من حياته فسيرد الى قلبه ولسانه: واأسفاه، أو الحمد لله، أي إما أنه يتأسف ويتحسر ، أو يحمد ربه ويشكره. فالذي يقطّر الاسف والاسى انما يكون بسبب الآلام المعنوية الناشئة من زوال اللذائذ السابقة وفراقها، ذلك لأن زوال اللذة ألم، بل قد تورث لذةٌ زائلة طارئة آلاماً دائمة مستمرة، فالتفكر فيها يعصر ذلك الالم ويقطّر منه الاسف والاسى، بينما اللذة المعنوية والدائمة الناشئة من زوال الآلام المؤقتة التي قضاها المرء في حياته الفائتة، تجعل لسانه ذاكراً بالحمد والثناء لله تعالى.. هذه حالة فطرية يشعر بها كل انسان، فاذا ما فكر المصاب - علاوة على هذا - بما أدّخر له ربه الكريم من ثواب جميل وجزاء حسن في الآخرة وتأمل في تحول عمره القصير بالمصائب الى عمر مديد فانه لايصبر على ما انتابه من ضُر وحده، بل يرقى ايضاً الى مرتبة الشكر لله والرضا بقَدَره، فينطلق لسانه حامداً ربه وقائلاً: الحمد لله على كل حال سوى الكفر والضلال.
ولقد سار مثلا عند الناس: ما اطول زمن النوائب!. نعم، هو كذلك ولكن ليس بالمعنى الذي في عرف الناس وظنهم من أنه طويل بما فيه من ضيق وألم، بل هو طويل مديد كالعمر الطويل بمايثمر من نتائج حياتية عظيمة.
النكتة الرابعــة:
لقد بينّا في المقام الاول للكلمة الحادية والعشرين:
ان الانسان إن لم يشتت ما وهبه الباري سبحانه من قوة الصبر، ولم يبعثرها في شعاب الاوهام والمخاوف، فان تلك القوة يمكن ان تكون كافية للثبات حيال كل مصيبة وبلاء، ولكن هيمنة الوهم وسيطرة الغفلة عليه والاغترار بالحياة الفانية كأنها دائمة.. يؤدي الى الفتّ من قوة صبره وتفريقها الى آلام الماضي ومخاوف المستقبل، فلا يكفيه ماأودعه الله من الصبر على تحمل البلاء النازل به والثبات دونه، فيبدأ ببث الشكوى حتى كأنه يشكو الله للناس، مبدياً من قلة الصبر ونفاده مايشبه الجنون فضلاً عن أنه لايحق له أن يجزع جزعه هذا ابداً؛ ذلك لان كل يوم من أيام الماضي -
ان كان قد مضى بالبلاء - فقد ذهب عسره ومشقته وترك راحته، وقد زال تعبه وألمه وترك لذته، وقد ذهب ضنكه وضيقه وثبت أجره، فلايجوز اذن الشكوى منه، بل ينبغي الشكر لله تعالى عليه بشوق ولهفة. ولايجوز كذلك الامتعاض من المصيبة والسخط عليها بل ينبغي ربط أواصر الحب بها، لأن عمر الانسان الفاني الذي قد مضى يتحول عمراً سعيداً باقياً مديداً بما يعاني فيه من البلاء، فمن البلاهة والجنون أن يبدد الانسان قسماً من صبره ويهدره بالاوهام والتفكر في البلايا التي مضت والآلام التي ولّت. أما الايام المقبلة، فحيث أنها لم تأت بعد ومجهولة مبهمة، فمن الحماقة التفكر فيها من الآن والجزع عمّا يمكن أن يصيب الانسان فيها من مرض وبلاء. فكما أنه حماقة أن يأكل الانسان اليوم كثيراً من الخبز ويشرب كثيراً من الماء لما يمكن أن يصيبه من الجوع والعطش في الغد أو بعد غد، كذلك التألم والتضجر من الآن لما يمكن أن يبتلى به في المستقبل من امراض ومصائب هي الآن في حكم العدم، واظهار الجزع نحوها دون أن يكون هناك مبرر واضطرار، هو بلاهة وحماقة الى حد تسلب العطف على صاحبها والاشفاق عليه. فوق أنه قد ظلم نفسه بنفسه.
الخلاصـة:
ان الشكر مثلما يزيد النعمة، فالشكوى تزيد المصيبة وتسلب الترحم والاشفاق على صاحبها.
لقد ابتلى رجل صالح من مدينة أرضروم بمرض خطير وبيل، وذلك في السنة الاولى من الحرب العالمية الاولى، فذهبت الى عيادته وبثّ لي شكواه:
-- لم أذق طعم النوم منذ مائة يوم... تألمت لشكواه الاليمة هذه، ولكن تذكرت حينها مباشرة وقلت:
- أخي! ان الايام المائة الماضية لكونها قد ولّت ومضت فهي الآن بمثابة مائة يوم مسرّة مفرحة لك، فلا تفكر فيها ولا تشكُ منها، بل انظر اليها من زاوية زوالها وذهابها، واشكر ربك عليها. أما الايام المقبلة فلأنها لم تأت بعد، فتوكل على رحمة ربك الرحمن الرحيم واطمئن اليها. فلا تبك قبل أن تضرب، ولاتخف من غير شئ، ولاتمنح العدم صبغةَ الوجود. اصرف تفكيرك في هذه الساعة بالذات، فان ماتملكه
من قوة الصبر تكفي للثبات لهذه الساعة. ولاتكن مثل ذلك القائد الاحمق الذي شتت قوته في المركز يميناً وشمالاً في الوقت الذي التحقت ميسرة العدو الى صفوف ميمنة جيشه فأمدتها، وفي الوقت الذي لم تكُ ميمنة العدو متهيأة للحرب بعد.. فما أن علم العدو منه هذا حتى سدد قوة ضئيلة في المركز وقضى على جيشه.
فيا أخي! لاتكن كهذا، بل حشّد كل قواك لهذه الساعة فقط، وترقَّب رحمة الله الواسعة، وتأمل في ثواب الاخرة، وتدبّر في تحويل المرض لعمرك الفاني القصير الى عمر مديد باق، فقدّم الشكر الوافر المسر الى العلي القدير بدلا من هذه الشكوى المريرة.
انشرح ذلك الشخص المبارك من هذا الكلام وانبسطت أساريره حتى شرع بالقول: الحمد لله. لقد تضاءل ألمي كثيراً.
النكتة الخامسـة:
وهي ثلاث مسائل:
المسألة الاولى:
إن المصيبة التي تعدّ مصيبة حقاً والتي هي مضرة فعلاً، هي التي تصيب الدين. فلابد من الالتجاء الى الله سبحانه والانطراح بين يديه والتضرع اليه دون انقطاع. أما المصائب التي لاتمس الدين فهي في حقيقة الامر ليست بمصائب، لأن قسماً منها:
تنبيه رحماني! يبعثه الله سبحانه الى عبده ليوقظه من غفلته، بمثل تنبيه الراعي لشياهه عندما تتجاوز مرعاها، فيرميها بحجر، والشياه بدورها تشعر أن راعيها ينبهها بذلك الحجر ويحذرها من أمر خطير مضر، فتعود الى مرعاها برضى واطمئنان. وهكذا النوائب الظاهرة فان الكثير منها تنبيه الهي، وايقاظ رحماني للانسان.
أما القسم الآخر من المصائب فهو كفارة للذنوب.
وقسم آخر أيضاً من المصائب هو منحة إلهية لتطمين القلب وافراغ السكينة فيه، وذلك بدفع الغفلة التي تصيب الانسان، واشعاره بعجزه وفقره الكامنين في جبلته.
أما المصيبة التي تنتاب الانسان عند المرض - فكما ذكرنا آنفا - فهي ليست
بمصيبة حقيقية، بل هي لطف رباني لانه تطهير للانسان من الذنوب وغسل له من أدران الخطايا، كما ورد في الحديث الصحيح:
(مامن مسلم يصيبه أذى الاّ حاتّ الله عنه خطاياه كما يحاتّ ورق الشجر )[1]
وهكذا فان سيدنا ايوب عليه السلام لم يدعُ في مناجاته لاجل نفسه وتطميناً لراحته، وانما طلب كشف الضر من ربه عندما أصبح المرض مانعاً لذكر الله لسانا، وحائلاً للتفكر في ملكوت الله قلباً، فطلب الشفاء لأجل القيام بوظائف العبودية خالصة كاملة. فيجب علينا نحن ايضاً أن نقصد - بتلك المناجاة - أول ما نقصد: شفاء جروحنا المعنوية وشروخنا الروحية القادمة من ارتكاب الآثام واقتراف الذنوب ولنا الالتجاء الى الله القدير عندما تحول الامراضُ المادية دون قيامنا بالعبادة كاملة، فنتضرع اليه عندئذ بكل ذل وخضوع ونستغيثه دون أن يبدر منا أي اعتراض أو شكوى، اذ مادمنا راضين كل الرضا بربوبيته الشاملة فعلينا الرضا والتسليم المطلق بما يمنحه سبحانه لنا بربوبيته.. أما الشكوى التي تومئ الى الاعتراض على قضائه وقدره، واظهار التأفف والتحسر، فهي أشبه ما يكون بنقد للقدر الإلهي العادل واتهام لرحمته الواسعة.. فمن ينقد القدر يصرعه ومن يتهم الرحمة يُحرم منها. اذ كما ان استعمال اليد المكسورة للثأر يزيدها كسراً، فان مقابلة المبتلي مصيبته بالشكوى والتضجر والاعتراض والقلق تضاعف البلاء. 
المسألة الثانيـة:
كلما استعظمت المصائب المادية عظُمت، وكلما استصغرتَها صغرت. فمثلاً: كلما اهتم الانسان بما يتراءى له من وهم ليلاً يُضخم  ذلك في نظره، بينما اذا أهمله يتلاشى. وكلما تعرض الانسان لوكر الزنابير ازداد هجومها واذا أهملها تفرقت.
فالمصائب المادية كذلك كلما تعاظمها الانسان واهتم بها وقلق عليها تسربت من الجسد نافذة في القلب ومستقرة فيه، وعندها تتنامى مصيبة معنوية في القلب وتكون ركيزة للمادية منها فتستمر الاخيرة وتطول. ولكن متى ماأزال الانسان القلق والوهم
من جذوره بالرضا بقضاء الله، وبالتوكل على رحمته تضمحل المصيبة المادية تدريجياً وتذهب، كالشجرة التي تموت وتجف أوراقها بانقطاع جذورها.
ولقد عبّرتُ عن هذه الحقيقة يوماً بما يأتي:[1]
ومن الشكوى بلاءٌ.
أنت  يامسكينُ دعها وتوكلْ.
أنت ان تسلمْ الى الوهاب نجواك وجدتْ.
فاذا الكلُّ عطاء.
واذا الكلُّ صفاء.
فبغير الله: دنياك متاهات وخوف!
أفيشكو مَن على كاهله يحمل كلّ الراسيات
حبةَ الرمل الضئيلة؟
انما الشكوى بلاءٌ في بلاء.
وأثام في أثام وعناء!
أنت ان تَبْسَم وفي وجه البلاء.
عادت الأرزاء تذوي وتذوب.
تحت شمس الحق حباتِ بَرَد!
فاذا دنياك بَسمة،
بسمةٌ من ثغرها ينسابُ ينبوعُ اليقين.
بسمةٌ نشوى باشراق اليقين.
بسمةٌ حيرى باسرار اليقين.
نعم..! ان الانسان مثلما يخفف حدًّة خصمه باستقباله بالبشر والابتسامة، فتتضاءل سَورة العداوة وتنطفئ نار الخصومة، بل قد تنقلب صداقةً ومصالحة، كذلك الامر في استقبال البلاء بالتوكل على القدير يذهبُ أثره.
المسـألة الثالثـة:
أن لكل زمان حُكمه، وقد غيّر البلاء شكله في زمن الغفلة هذا، فلايكون البلاء بلاء عند البعض دوماً، بل إحساناً إلهياً ولطفاً منه سبحانه. وأرى المبتلين بالضر في هذا الوقت محظوظين سعداء بشرط ألا يمس دينهم، فلا يولد المرض والبلاء عندي مايجعلهما مضرين في نظري حتى أعاديهما، ولا يورثانني الاشفاق والتألم على صاحبهما، ذلك ماأتاني شاب مريض الاّ وأراه أكثر ارتباطاً من أمثاله بالدين، وأكثر تعلقاً منهم بالآخرة.. فأفهم من هذا أن المرض بحق هؤلاء ليس بلاء، بل هو نعمة من نعمه سبحانه التي لاتعد ولاتحصى، حيث أن ذلك المرض يمد صاحبه بمنافع غزيرة من حيث حياته الاُخروية ويكون له ضرباً من العبادة، مع أنه يمس حياته الدنيا الفانية الزائلة بشئ من المشقة.
نعم قد لايستطيع هذا الشاب أن يحافظ على ما كان عليه في مرضه من الالتزام بالاوامر الإلهية فيما اذا وجد العافية، بل قد ينجرف الى السفاهة بطيش الشباب ونزواته وبالسفاهة المستشرية في هذا الزمان.

خـاتمـة
ان الله سبحانه قد أدرج في الانسان عجزاً لاحد له، وفقراً لانهاية له، اظهاراً لقدرته المطلقة وابرازاً لرحمته الواسعة. وقد خلقه على صورة معينة بحيث يتألم بما لايحصى من الجهات، كما أنه يتلذذ بما لايعد من الجهات، اظهاراً للنقوش الكثيرة لاسمائه الحسنى. فابدعه سبحانه على صورة ماكنة عجيبة تحوي مئات الالات والدواليب، لكل منها آلامها ولذائذها ومهمتها وثوابها وجزاؤها، فكأن الاسماء الإلهية المتجلىة في العالم الذي هو انسان كبير تتجلى اكثرها ايضاً  في هذا الانسان الذي هو عالم أصغر، وكما أن ما فيه من أمور نافعة - كالصحة والعافية واللذائذ وغيرها - تدفعه الى الشكر وتسوق تلك الماكنة الى القيام بوظائفها من عدة جهات، حتى يغدو الانسان كأنه ماكنة شكر. كذلك الامر في المصائب والامراض والالام
وسائر المؤثرات المهيجة والمحركة، تسوق الدواليب الاخرى لتلك الماكنة الى العمل والحركة وتثيرها من مكمنها فتفجّر كنوز العجز والضعف والفقر المندرجة في الماهية الانسانية. فلا تمنح المصائبُ الانسانَ الالتجاء الى البارئ بلسان واحد، بل تجعله يلتجئ اليه ويستغيثه بلسان كل عضو من أعضائه. وكأن الانسان بتلك المؤثرات والعلل والعقبات والعوارض يغدو قلماً يتضمن آلاف الاقلام، فيكتب مقّدرات حياته في صحيفة حياته أو في اللوح المثالي، وينسج لوحة رائعة للاسماء الإلهية الحسنى، ويصبح بمثابة قصيدة عصماء ولوحة اعلان.. فيؤدي وظيفة فطرته.


شاهد المقال

اللمعات


اللمعة الاولى
ان مناجاة سيدنا يونس بن متى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - هي من اعظم انواع المناجاة واروعها، ومن ابلغ الوسائل لإستجابة الدعاء وقبوله[1].
تتلخص قصته المشهورة بأنه - عليه السلام - قد أُلقي به الى البحر، فالتقمه الحوت، وغشيته امواج البحر الهائجة، واسدل الليل البهيم ستاره المظلم عليه. فداهمته الرهبة والخوف من كل مكان وانقطعت امامه اسباب الرجاء وانسدت ابواب الامل.. واذا بمناجاته الرقيقة وتضرعه الخالص الزكي:
(لا إله إلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظالمين) (الانبياء:87) يصبح له في تلك الحالة واسطة نجاة ووسيلة خلاص.
وسـر هذه المناجاة العظيم هو:
ان الاسباب المادية قد هوت كلياً في ذلك الوضع المرعب، وسقطت نهائياً فلم تحرك ساكناً ولم تترك أثراً، ذلك لان الذي يستطيع ان ينقذه من تلك الحالة، ليس الاّ ذلك الذي تنفذ قدرتُه في الحوت، وتهيمن على البحر وتستولي على الليل وجو السماء؛ حيث أن كلا من الليل الحالك والبحر الهائج والحوت الهائل قد اتفق على  الانقضاض عليه، فلا ينجيه سبب، ولا يخلصه أحد، ولايوصله الى ساحل السلامة بأمان، الاّ من بيده مقاليد الليل وزمام البحر والحوت معاً، ومَن يسخّر كل شئ تحت امره.. حتى لو كان الخلق اجمعين تحت خدمته عليه السلام ورهن اشارته في ذلك الموقف الرهيب، ما كانوا ينفعونه بشئ!.
أجل لاتأثير للاسباب قط.. فما أن رأى عليه السلام بعين اليقين ألاّ ملجأ له من امره تعالى إلاّ اللواذ الى كنف مسبب الاسباب، انكشف له سرُّ الأحدية من خلال نور التوحيد الساطع، حتى سخرتْ له تلك المناجاةُ الخالصة الليل والبحر والحوت معاً، بل تحوّل له  بنور التوحيد الخالص بطنُ الحوت المظلم الى مايشبه جوف غواصة أمينة هادئة تسير تحت البحر، واصبح ذلك البحر الهائج بالامواج المتلاطمة  مايشبه المتنزه الآمن الهادئ، وانقشعت الغيوم عن وجه السماء - بتلك المناجاة - وكشف القمر عن وجهه المنير كأنه مصباح وضئ يتدلى فوق رأسه..
 وهكذا غدت تلك المخلوقات التي كانت تهدده وترعبه من كل صوب وتضيق عليه الخناق، غدت الآن تسفر له عن وجه الصداقة، وتتقرب اليه بالود والحنان، حتى خرج الى شاطئ السلامة وشاهد لطف الرب الرحيم تحت شجرة اليقطين.
فلننظر بنور تلك المناجاة الى انفسنا.. فنحن في وضع مخيف ومرعب أضعاف أضعاف ما كان فيه سيدنا يونس عليه السلام، حيث ان:
ليلنا الذي يخيم علينا، هو المستقبل.. فمستقبلنا اذا نظرنا اليه بنظر الغفلة يبدو مظلماً مخيفاً، بل هو أحلك ظلاماً واشد عتامة من الليل الذي كان فيه سيدنا يونس عليه السلام بمائة مرة..
وبحرنا، هو بحر الكرة الارضية، فكل موجة من امواج هذا البحر المتلاطم تحمل آلاف الجنائز، فهو اذن بحر مرعب رهيب بمائة ضعف رهبة البحر الذي ألقي فيه عليه السلام.
وحوتنا، هو ما نحمله من نفس أمارة بالسوء، فهي حوت يريد ان يلتقم حياتنا الابدية ويمحقها. هذا الحوت اشد ضراوة من الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس عليه السلام؛ اذ كان يمكنه ان يقضي على حياة امدها مائة سنة، بينما حوتنا نحن يحاول افناء مئات الملايين من سني حياة خالدة هنيئة رغيدة.
فما دامت حقيقة وضعنا هذه، فما علينا اذاً إلاّ الاقتداء بسيدنا يونس عليه السلام والسير على هديه، معرضين عن الاسباب جميعاً، مقبلين كلياً على ربنا الذي هو مسبب الاسباب متوجهين اليـه بقلوبـنا وجـوارحنـا، ملتجـئين اليـه سبحانه قائلين: (لا إله إلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظالمين) مدركين بعين اليقين ان قد ائتمر علينا - بسبب غفلتنا وضلالنا - مستقبلُنا الذي يرتقبنا، ودنيانا التي تضمنا، ونفوسُنا الامارة بالسوء التي بين جنبينا، موقنين كذلك انه لايقدر ان يدفع عنا مخاوف المستقبل واوهامه، ولايزيل عنا اهوال الدنيا ومصائبها، ولايبعد عنا اضرار النفس الامارة بالسوء ودسائسها، الاّ من كان المستقبل تحت أمره، والدنيا تحت حكمه، وانفسنا تحت ادارته  .
تُرى مَن غيرُ خالق السموات والارضين يعرف خلجات قلوبنا، ومَن غَيرُه يعلم خفايا صدورنا، ومَن غَيرُه قادر على انارة المستقبل لنا بخلق الآخرة، ومَن غيرُه يستطيع ان ينقذنا من بين الوف أمواج الدنيا المتلاطمة بالاحداث؟!. حاش لله وكلا ان يكون لنا منجٍ غيره ومخلّصٍ سواه، فهو الذي لولا إرادته النافذة ولولا أمره المهيمن لما تمكن شئ اينما كان وكيفما كان ان يمد يده ليغيث أحداً بشئ!.
فما دامت هذه حقيقة وضعنا فما علينا إلاّ ان نرفع اكفّ الضراعة اليه سبحانه متوسلين، مستعطفين نظر رحمته الربانية الينا، اقتداء بسر تلك المناجاة الرائعة التي سخّرت الحوت لسيدنا يونس عليه السلام كأنه غواصة تسير تحت البحر، وحولت البحر متنزها جميلا، وألبست الليل جلباب النور الوضئ بالبدر الساطع. فنقول: ( لا إله إلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظالمين) . فنلفت بها نظر الرحمة الإلهية الى مستقبلنا بقولنا: (لااله الا أنت). ونلفتها الى دنيانا بكلمة: (سبحانك) ونرجوها ان تنظر  الى انفسنا بنظر الرأفة والشفقة بجملة:  (إنّي كنتُ من الظالمين) كي يعم مستقبلنا نور الايمان وضياء بدر القرآن، وينقلب رعب ليلنا ودهشته الـى أمن الانس وطمأنينة البهجة. ولتنتهي مهمة حياتنا ونختتم وظيفتها بالوصول الى شاطئ الامن والامان دخولا في رحاب حقيقة الاسلام، تلك الحقيقة التي هي سفينة معنوية اعدّها القرآن العظيم، فنبحر بها عباب الحياة، فوق أمواج السنين والقرون الحاملة لجنائز لايحصرها العد، ويقذفها الى العدم تبدل الموت والحياة وتناوبهما الدائبين في  دنيانا وارضنا، فننظر الى هذا المشهد الرهيب بمنظار نور القرآن الباهر، واذا هو مناظر متبدلة، متجددة، يحول تجددها المستمر تلك الوحشة الرهيبة النابعة من هبوب العواصف وحدوث الزلازل للبحر الى نظر تقطر منه العبرة، ويبعث على التأمل والتفكر في خلق الله. فتستضئ وتتألق ببهجة التجدد ولطافة التجديد. فلا تستطيع عندها نفوسنا الامارة على قهرنا، بل نكون نحن الذين نقهرها بما منحنا القرآن الكريم من ذلك السر اللطيف، بل نمتطيها بتلك التربية المنبثقة من القرآن الكريم. فتصبح النفس الامارة طوع ارادتنا، وتغدو وسيلة نافعة ووساطة خير للفوز بحياة خالدة.       
الخلاصــة:
ان الانسان بما يحمل من ماهية جامعة يتألم من الحمى البسيطة كما يتألم من زلزلة الارض وهزاتها ويتألم من زلزال الكون العظيم عند قيام الساعة، ويخاف من جرثومة صغيرة كما يخاف من المذنبات الظاهرة في الاجرام السماوية، ويحب بيته ويأنس به كما يحب الدنيا العظيمة، ويهوى حديقته الصغيرة ويتعلق بها كما يشتاق الى الجنة الخالدة ويتوق اليها. 
فما دام أمر الانسان هكذا، فلا معبود له ولا رب ولا مولى ولا منجأ ولا ملجأ إلاّ من بيده مقاليد السموات والارض وزمام الذرات والمجرات، وكل شئ تحت حكمه، طوع أمره.. فلابد ان هذا الانسان بحاجة ماسة دائماً الى التوجه الى بارئه الجليل والتضرع اليه اقتداء بسيدنا يونس عليه السلام. فيقول:
(لا إله إلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظالمين)
(سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم)




التالي
هذا أحدث موضوع
يتم التشغيل بواسطة Blogger.